أعراض سكر الحمل: الدليل الشامل لفهم المؤشرات والتعامل معها

يُعد سكري الحمل أحد الاضطرابات الصحية المؤقتة التي تصيب النساء خلال فترة الحمل، وينشأ نتيجة لتغيرات هرمونية تؤثر على كيفية استخدام الجسم للأنسولين. ورغم أنه غالبًا ما يختفي بعد الولادة، فإن إهمال التعامل معه أو عدم الوعي بأعراضه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على الأم والجنين معًا. من هنا تبرز الأهمية القصوى للتعرف المبكر على أعراض سكري الحمل، والتي تختلف في شدتها وظهورها بين امرأة وأخرى، لكنها تظل مؤشرات لا يمكن تجاهلها، خاصةً إذا كانت الحامل ضمن الفئات المعرضة للخطر.

مفهوم سكري الحمل

سكري الحمل هو نوع من مرض السكري يظهر خلال فترة الحمل فقط، وغالبًا ما يتم تشخيصه في الثلث الثاني أو الثالث من الحمل، عند إجراء الفحوصات الروتينية لمستوى السكر في الدم. يحدث المرض عندما لا يستطيع الجسم إنتاج كمية كافية من الأنسولين للتكيف مع التغيرات الهرمونية وزيادة مقاومة الجسم للأنسولين، وهو أمر طبيعي في الحمل. هذا الخلل يؤدي إلى تراكم الجلوكوز في الدم بمعدلات تفوق المعدل الطبيعي.

الفئات المعرضة للإصابة بسكري الحمل

ليست جميع النساء معرضات للإصابة بسكري الحمل، إلا أن هناك فئات معينة تزداد لديها احتمالية الإصابة، ومن أبرزها:

• النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي للإصابة بمرض السكري.

• من سبق لهن الإصابة بسكري الحمل في حمل سابق.

• السيدة التي أنجبت طفلًا يزيد وزنه عن 4 كيلوجرامات.

• النساء اللواتي يعانين من السمنة أو الوزن الزائد.

• الأعراق التي تُظهر معدلات أعلى للإصابة، مثل النساء من أصول شرق أوسطية أو جنوب آسيوية.

• وجود تكيس في المبايض أو اضطرابات هرمونية مزمنة.

التغيرات الهرمونية والأنسولين خلال الحمل

في الحمل، يفرز الجسم هرمونات عدة مثل هرمون المشيمة، والإستروجين، والبروجستيرون، وهي ضرورية لدعم الحمل ونمو الجنين. ولكن هذه الهرمونات تعيق فعالية الأنسولين في الجسم، ما يُعرف بـ”مقاومة الأنسولين”، مما يدفع البنكرياس لإنتاج كميات إضافية من الأنسولين. في حال لم يكن البنكرياس قادرًا على تلبية هذا الطلب المتزايد، يحدث ارتفاع في مستويات السكر في الدم، وهو ما يعرف بسكري الحمل.

أعراض سكري الحمل

1. العطش الزائد والمستمر

يُعد الشعور الدائم بالعطش أحد أبرز الأعراض التي قد تشير إلى وجود خلل في مستويات السكر في الدم. في حالات سكري الحمل، يكون الجسم بحاجة إلى التخلص من الجلوكوز الزائد، مما يؤدي إلى زيادة عدد مرات التبول، وبالتالي يحفز الجسم على طلب المزيد من السوائل لتعويض الفقد، ما ينتج عنه شعور متواصل بالعطش.

2. التبول المتكرر

تؤدي مستويات السكر المرتفعة إلى إفراز كميات أكبر من البول، وهو ما يُعرف بـ”البوال السكري”. ويُعد التبول المتكرر من العلامات المهمة على ارتفاع مستوى السكر، خاصة إذا لم يكن مصحوبًا بعدوى بولية، وكان مفاجئًا في بداية الثلث الثاني من الحمل.

3. التعب والإرهاق العام

تُعد مستويات الطاقة المنخفضة والإرهاق الدائم من العلامات الشائعة بين الحوامل، لكن في حال سكري الحمل، يكون التعب أكثر حدة ومصحوبًا بشعور دائم بالوهن حتى بعد النوم أو الراحة. السبب يعود إلى أن الخلايا لا تحصل على الطاقة الكافية نتيجة تراكم الجلوكوز في الدم بدلًا من دخوله إلى الخلايا.

4. تشوش الرؤية

تؤدي التغيرات في مستويات السكر إلى تأثيرات فسيولوجية على عدسة العين، مما يؤدي إلى عدم وضوح في الرؤية أو “تشوش بصري”. ويمكن أن يظهر هذا العرض بشكل مؤقت أو مستمر حسب شدة الاضطراب في مستوى السكر.

5. الجوع المفرط

نتيجة عدم تمكن الجلوكوز من الدخول إلى الخلايا، يشعر الجسم بعدم الاكتفاء من الطاقة، ما يدفع الحامل للشعور بالجوع الشديد حتى بعد تناول الطعام. يُعد هذا من الأعراض الأيضية التي تستوجب الفحص الفوري.

6. التهابات متكررة، خاصة في المسالك البولية والمهبل

تتسبب المستويات المرتفعة من الجلوكوز في الجسم في خلق بيئة مناسبة لنمو البكتيريا والفطريات، مما يؤدي إلى التهابات بولية أو مهبلية متكررة لدى الحوامل المصابات بسكري الحمل، حتى مع اتباع إجراءات النظافة الشخصية.

7. الغثيان والقيء غير المرتبطين بوحام الحمل

قد يترافق سكري الحمل مع أعراض مشابهة لأعراض بداية الحمل كالغثيان والقيء، إلا أن استمرار هذه الأعراض بعد الثلث الأول، أو ازديادها، قد يكون مؤشرًا على خلل استقلابي يحتاج لتقييم شامل.

8. تغيرات في وزن الجنين

رغم أن هذا العرض لا يظهر مباشرة على الأم، إلا أن الكشف عنه يكون من خلال المتابعة الدورية بالأشعة فوق الصوتية. إذا كان الجنين أكبر من عمر الحمل، أو في حال وجود سائل أمنيوسي زائد، فهذه قد تكون إشارات غير مباشرة على وجود سكري الحمل.

جدول يقارن بين أعراض سكري الحمل وأعراض الحمل الطبيعي:

أهمية الفحص المبكر والتشخيص

توصي الهيئات الطبية مثل الجمعية الأمريكية للسكري (ADA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بإجراء اختبار تحمل الجلوكوز الفموي بين الأسبوع 24 والأسبوع 28 من الحمل، أو في وقت مبكر إذا كانت المرأة من الفئات عالية الخطورة. التشخيص المبكر يمكّن من التحكم في الحالة وتجنب مضاعفات مثل تسمم الحمل، الولادة المبكرة، أو ولادة طفل بوزن زائد قد يؤدي إلى تعقيدات عند الولادة.

مضاعفات إهمال أعراض سكري الحمل

• للأم: ارتفاع ضغط الدم، زيادة خطر الإصابة بسكري النوع الثاني لاحقًا، الحاجة إلى الولادة القيصرية.

• للجنين: ولادة طفل بوزن كبير، انخفاض السكر في الدم عند الولادة، زيادة خطر الإصابة بالسكري والسمنة في المستقبل.

التحكم في أعراض سكري الحمل

يتطلب التعامل مع سكري الحمل نظامًا غذائيًا صارمًا ومتابعة دورية لمستويات الجلوكوز. تشمل التدابير الرئيسية:

• اتباع نظام غذائي متوازن يعتمد على تقليل الكربوهيدرات البسيطة وزيادة الألياف والبروتين.

• ممارسة الرياضة المعتدلة مثل المشي بعد الوجبات لتحسين استجابة الأنسولين.

• المراقبة اليومية لمستويات الجلوكوز باستخدام أجهزة قياس السكر المنزلية.

• الأدوية أو الأنسولين في حال عدم كفاية النظام الغذائي وحده للسيطرة على الحالة.

الاستنتاج العام

أعراض سكري الحمل قد تمر دون ملاحظة في بداياتها، خاصةً لأنها قد تتشابه مع أعراض الحمل العادية، لكن التمييز بينهما ضروري للوقاية من مضاعفات جسيمة. تزداد أهمية الوعي والمتابعة الدورية للطبيب في حال كانت الحامل ضمن الفئات المعرضة للإصابة. التشخيص المبكر والتدخل الغذائي أو الدوائي المناسب يمكن أن يحول دون أي خطر طويل الأمد على الأم أو الجنين.

المصادر

• American Diabetes Association. “Standards of Medical Care in Diabetes – 2024.” Diabetes Care, 2024.

• World Health Organization. “Diagnostic Criteria and Classification of Hyperglycaemia First Detected in Pregnancy.” WHO Guidelines, 2013.